فاتورة الصداقة

أثناء حوار شيق ورائع تطرقنا الى قضية الصداقة، فسألته. ما الذي يمنع الصداقة بين أشخاص توافقت ظروفهم وجمعتهم امور مشتركة، كما ان كل منهم يفتقر فعلًا الى الصديق؟

فأجابني دون تفكير وكأنه درس الامر من قبل فقال: "بسبب فاتورة الصداقة"، تعجبت لاني لم اسمع بهذا من قبل وسألته وما معني فاتورة الصداقة؟

فقال: إن الصداقة ستفرض عليك نوع من الالتزام تجاه صديقك، وربما لن تستطيع الوفاء به غي بعض الظروف وهنا تحدث الصدمة للطرفين، فانت تتوقع ان يقدر صديقك ظروفك، وهو يتوقع ان يجدك حين يفتقدك.

ووجدته يقصد الزيارات حال المرض، او الوفاء اليه في الاعياد او ما شابه من اشكال الود والوفاء التي قضت عليها الحياة المادية الني نعيشها، فأغلب الناس أصيبوا بجفاف المشاعر بسبب دوامة الحياة الني تركنا انفسنا لها، واصبحنا نحصر العلاقات في أطار المصلحة حني لو كانت تلك المصلحة هي مجدر اللقاء لمجرد الرغبه في الكلام مع احدهم ليسمعني.

والنتيجة. لم يعد هناك صديق صدوق، وما دم لا يوجد صديق فلا يوجد مجتمع متماسك لاعلاقات القوية، بل مجتمع تحكمه القوانين الذي يسعي الجميع للتحايل عليها رغبة في تعزيز المصلحة الشخصية على حساب المجتمع ككل.

وهنا تتولد العداوة، فكل واحد يسعي لان يكون أفصل من الأخر ويكره ان يري غيره افضل منه و لو في شئ واحد ، فيبتعد عن كل من يظن أنه افضل منه وقد يُسبب ذلك بأنه متعالي او متكبر والحقيقة ان الله ميز كل منا بشئ. وكل متميز بشئ يظن ان الأخرين يحسدونه أو يريدون وصاله لمصلحة، فيفضل الابتعاد عن الجميع، وهكذا تستمر الظنون وتتطور في النفوس باعثة أفكار تقطع العلاقات وتؤدي الي الفرقة والوحده. كمثل ما قال الامام علي ابن ابي طالب: 

تَغَيَّرَتِ المَوَدَّةُ وَالإِخـــــــــــــاءُ                    وَقَلَّ الصِدقُ وَاِنقَطَعَ الرَجاءُ

وأَسلَمَني الزَمــــانُ إِلى صَديقٍ                    كَثيرِ الغَدرِ لَيسَ لَهُ رَعاءُ

هذا ما فعله الشيطان بتزينه للحياة المادية، فالشيطان لما رأي أن دعوة المسيح عليه السلام أنتشرت بأصدقائه، ولما رأي ان دعوة محمد صلي الله عليه وسلم أنتشرت بالصداقة المخلصة والأخوة النقية، فقرر أن يفض رابطة المجتمعات بوضع "فاتوة للصداقة" تظهر وكأنها باهظة وليس من ورائها فائده، ويبدوا انه قد نجح، وبداء ان يضع فاتورة للزواج كي يدمر الأسرة وفاتورة للأخوة والامومة والأبوه كي يقطع الأرحام.

وهكذا ستكثر الفواتير حتي تري نفسك تموت وحيدًا لاتجد من يواري سؤتك حين الموت، فلا تتعجب ان تري يومًا ميتًا على قارعة الطريق لا يوجد من يحمله الي مثواه الأخير ، فسيحرقونه في مكانه من سوء رائحته ويتركون رماده للرياح.

أختر لنفسك صديقًا وأقبله كما هو، ادفع فاتورة الصداقة تلك بكل الحب، فهي الفاتورة التي سيدفعها عنك الله عزوجل، أما علمت ِأنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ.

أما علمت ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : (ما مِن مسلِمٍ يعودُ مُسلِمًا غدوةً إلَّا صلَّى عليهِ سبعونَ ألفَ ملَكٍ حتَّى يُمسيَ، وإن عادَهُ عشيَّةً إلَّا صلَّى عليهِ سبعونَ ألفَ ملَكٍ حتَّى يُصبِحَ، وَكانَ لَه خريفٌ في الجنَّةِ)  و قوله (إنَّ المُسْلِمَ إذا عادَ أخاهُ المُسْلِمَ، لَم يزلْ في خُرْفَةِ الجنَّةِ حتَّى يرجعَ)

ألا تحب ان تكون احد سبعه يظلهم الله بظل عرشه يوم لا ظل الا ظله "ورجلان تحابا في الله، اجتمعا على ذلك، وتفرقا عليه"

إن الله يقول: وجبت محبتي للمتزاورين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتحابين فيَّ، والمتباذلين فيَّ.

و قد حكي لنا رسول الله أن رجلًا زار أخًا له في الله، فأرصد الله على طريقه ملكًا في صورة رجل، فلما مر عليه سأله ، قال: أين تريد؟ قال: أردت فلانًا قال: هل لك من نعمة تربها عليه؟ (أي هل هناك مصلحة بينكم) قال: لا؛ إلا أني أحبه في الله، فقال له الملك: إني رسول الله إليك؛ أن الله أحبك كما أحببته.

الصديق لا يحتاج الى التصنع لك ولا تحتاج الي التصنع له فكلاكما مرأة الاخر، تخبره بما فيه ويخبرك بما فيك للتتحسنا، وكما قال الشافعي " ليس بحبيب من أحتجت الى مداراته، ولكن الحبيب من تلقي نفسك بين يديه ولا تبالي"




1 Comments

It is important for me to know your opinion in this contact.
please feel free to contact me, If you have any questions about this article or any further questions.

Get in touch!

Name



Email *



Message *