الفايز كلمة تركية الأصل (faizi) وعندما تطلق فإنما تعني الفائدة البنكية أو ال Rate وقد انتشر مصطلح الفايز في كثير من دول الشرق الأوسط وبخاصة مصر، وكانت تقابل بشكل من الاستنكار عندما يقول أحدهم "لقد اقترض فلان مَالَأَ بالفايز" وعلى الرغم من استنكار الكلمة في المجتمعات الإسلامية بشكل خاص والمجتمعات العربية بشكل عام، إلا أن الإقراض بالفائدة كانت مهنة على مختلف العصور، ولكن تجار اليهود هم أكثر من كان يمتهن هذه المهنة على الرغم من تحريم الديانة اليهودية لها بشكل قطعي، إلا أن تجار اليهود كانوا يلتفون حول هذه الأحكام عن طريق الإقراض بالفائدة لغير اليهود فقط.
لست هنا بصدد التعمق في تاريخ الكلمة ولكنها مقدمة قد تفتح الباب للإجابة عن بعض الأسئلة التي قد تدور بخاطر من يفكر في هذا الموضوع، وتفتح لي الباب للإجابة عن ثلاثة أسئلة تثار بين الحين والأخر، وقد طفت بشكل كبير على السطح هذه الأيام منطلقة من تركيا التي أعلنت عن نيتها لخفض الفوائد البنكية بشكل تدريجي حتى يتم التخلص منها تماماً.
ما هي الآثار المترتبة على وجود الفائدة وخفضها أو رفعها؟
هل يحتاج الاقتصاد إلى الفائدة؟
هل الفائدة هي سبب ارتفاع الأسعار؟
أي ببساطة إذا كان هناك شخص أو هيئة لديه أموال غير مستغلة في مشروع أو تجارة أو صناعة (مال مغير مستغل) فهو على استعداد أن يقدم لشخص آخر هذا المال (ليصبح مال محتبس عنده) على أن يسترجع ماله بعد فترة محددة بزيادة محددة مُسبقاً. وبذلك يكون الطرفين قد ربحا بشكل أو بآخر، فالأول زادت قيمة رأس ماله بعد فترة محددة بقيمة محددة عن طريق تحويل ذلك المال من كونه مال غير مستغل إلى مال محتبس لدي شخص آخر يستغله. والشخص الأخر استفاد بهذا المال بحسب رغبته.
من التعريف ربما تجد ان الفائدة هي فكرة طبيعية للربح من المال غير المستغل، وأن المنفعة قد شملت جميع الأطراف، فلماذا إذا أستنكرتها الشعوب وحرمتها الأديان. وعلى رأسها الدين الأسلامي الذي اطلق علي هذه العملية أسم الربا ووصفه بالتخبط وحاربه اشد الحرب مهما اختلفت صوره وأشكاله؟؟
من هنا تأتي الإجابة على سؤال الآثار المترتبة على الفائدة.
إذا افترضنا أن شخص يدعي X لديه فائض من المال غير مستغل ويريد استغلاله بشكل آمن، وعلي الجانب الأخر يوجد شخص اسمه N يحتاج إلى بعض المال لإنجاز شيء خاص به وليكن تأسيس مشروعه الجديد، بشكل أو بآخر تقابل الطرفان، واتفقا على أن يقدم X إلى N المبلغ الذي يحتاجه وليكن 1000 ولكنه لن يكون شريكه في أرباح أو خسائر مشروعه الجديد، هو فقط يحتاج أن يسترجع رأس ماله كاملاً مضاف إليه قيمة 5 % من المبلغ بعد فترة محددة، هذه ال 5 % هي ثمن انتظار X طوال هذه الفترة.
هنا سيبدأ N في التفكير في رفع سعر المنتج أو الخدمة التي سيقدمها مشروعه بقيمة 5 % حتى يستطيع سداد هذه القيمة من القرض إلى X دون أن تتأثر أرباحه. هذا يعني أنه كلما قام X برفع قيمة الفائدة على المال المقترض، كلما أضطر N إلى رفع سعر السلعة التي ينتحها حتى يغطي قيمة الفائدة.
إذا ببساطه، كلما ارتفع سعر الفائدة كلما زادت الأسعار، وزيادة الأسعار يعني التضخم.
وعلى الرغم من أن التضخم المنضبط (في حدود من 1.25 % إلى 3 % سنوياً) شيء جيد ومطلوب بحيث يعكس نمو الناتج المجلي وارتفاع مستوى المعيشة للفرد، إلا أن الاستمرار في رفع الفائدة من X والذي قد يقابله عدم قدرة N على السداد بسبب عدم اقتناع المستهلكين بالسعر الحالي، سيؤدي إلى تضخم خارج عن السيطرة نطلق عليه (Hyperinflations) ومع عدم رغبة المستهلكين في سلعة N بسبب ارتفاع سعرها المفرط، سيصاحب هذا التضخم الخارج عن السيطرة (Hyperinflations) ركود في البيع والشراء للسلع، هذا الركود يسمي الركود التضخمي أو Stag inflation.
الآن عرفت الآثار المترتبة على وجود الفائدة ورفعها.
هذا ما تؤكده نظريات الاقتصاد الرأس مالي الحديثة، فإذا كنت قد درست اقتصاد كلي (Macroeconomic) في أحد الجامعات فأنت تعرف تَمَامًا ما يسمى بالقاعدة العكسية للفائدة مع التضخم، والتي تقول بأنه بشكل عام، عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة، ينمو الاقتصاد ويزداد التضخم، وعلى العكس من ذلك، عندما تكون أسعار الفائدة مرتفعة، يتباطأ الاقتصاد وينخفض التضخم.
هل هذا يعني أنه إذا خرج التضخم عن معدله المعتاد (3 % كحد أقصى) وأصبح Hyperinflations، فإن البنوك المركزية سترفع الفائدة لخفض التضخم؟
بالرغم من أن الإجابة على هذا السؤال قد تكون بنعم، إلا أنها ليست نعم في كل الأحوال.
تخيل معي أن X رفع الفائدة على الأموال التي يحتاجها N، هنا لدي N ثلاث قرارات عليه أن يختار منها:
1. إما أن يوقف مشروعه، حيث أن تكلفة المشروع ارتفعت بشكل كبير بسبب الفائدة.
2. أو أنه يزيد من إنتاجه، حتى يبيع أكثر ويستطيع أن يحافظ على مستوى السعر المقبول في السوق وبنفس الوقت يغطي الزيادة في تكلفة المشروع التي سببته الفائدة.
3. أو أن يحافظ N على نفس حجم الإنتاج مع رفع السعر ليغطي تكلفة الفائدة.
الاختيار الأول سيؤدي إلى ضعف الإنتاج، ونقض النمو والناتج المحلي، وقد يحتاج المستهلكون إلى استيراد أحتياجتهم من الخارج.
الاختيار الثاني سيزيد النمو والإنتاج المجلي ومع زيادة الإنتاج ستستقر الأسعار ويرتفع مستوي المعيشة (وهو ما تتمناه البنوك المركزية وصانعي القرار).
الاختيار الثالث سيؤدي إلى تراكم السلع في المخازن بسبب عدم الإقبال عليها من المستهليكين، لارتفاع أسعارها، بالتالي سيؤول الحال ب N إلى الإفلاس، وقد يستلم X أمواله كأصول عينيه موجودة بالمخازن (هذا ما حدث في أزمة 2008).
إنه ليس من السهل على صُناع القرار رفع أسعار الفائدة، فرقعها في يعض الأحيان قد يؤدي إلى كارثة أكبر، وفي أحيان أخرى قد يعالج بطء النمو في الأسواق. بصفة عامة خفض الفائدة قد يرفع الأسعار، ورفع الفائدة قد يخفض الأسعار وهذا فقط في حالات النمو الطبيعي للاقتصاد، إما في حالات أخرى قد يؤدي التلاعب بالفائدة إلى كارثة لا يمكن تداركها إلا بعد انهيار النظام الاقتصادي ككل.
هل يحتاج الاقتصاد إلى الفائدة؟
يتضح لك أن الفائدة هي أحد أدوات البنوك المركزية للتحكم في سيولة النقود والأسعار وضبط التضخم
تخيل معي العالم دون فائدة... هل ستتلاشى كل هذه التعقيدات؟
فلنعود إلى الافتراض الأول حيث X لديه فائض من المال غير مستغل ويريد تنميته، وعلي الجانب الأخر N يحتاج إلى بعض المال لتأسيس مشروعه الجديد، ولأن X لا يستطيع أن يحصل على 5 % زيادة عن أصل القرض إلا في حال مشاركة N في مشروعه، حيث هذا هو الحل الوحيد في ظل غياب الفائدة، هنا سيتحد X و N بكل الأشكال لإنجاح المشروع، وبدلاً من أن يحتاجا إلى وسيط (كالبنك) في حالة الفائدة، سيحتاجان إلى أصحاب الخبرات والعلماء في مجال المشروع لإنجاحه، هنا يجتمع الجميع لإنجاح الأمر وتنميته لان المصلحة مشتركة، وسينعكس ذلك على الاقتصاد، حيث سيزداد الإنتاج وتظل الأسعار مستقرة، ترتفع بشكل طبيعي وصحي مع زيادة أصول المشروع واليد العاملة والتكنولوجيا. ولكن يبدو أن هناك من لا يجب هذا الاتحاد، فمثل هذا الاتحاد سيضر بمصلحته في تنمية أمواله بدون تعب أو جهد. من هنا تشتعل حرب الفايز أو حرب الفائدة.
إن الأسعار ترتفع من تلقاء نفسها، لا تحتاج إلى أدوات مالية (كالفائدة) للتحكم فيها، ولكن تحتاج إلى النمو التطور التكنولوجي المستمر حتى يتناسب ارتفاع الأسعار مع المنتج والخدمة المعروضة.
0 Comments
It is important for me to know your opinion in this contact.
please feel free to contact me, If you have any questions about this article or any further questions.