التداول بالتِمُرق

    ناموس هذا العالم يقضي بأن أجدر البشر معرفة بحقيقة الأشياء من البشر بعد الأنبياء هم العلماء، ذلك لأن العلماء الصادقون مع أنفسهم لديهم فضول إلى أمرين مهمين جداً لمعرفة الحقيقة.

الأولى هي الاقتراب من الأشياء المطلوب معرفتها إلى حد كبير بحيث يكون قادر على استيعابها بشكل يشبه عملية الهضم للمكونات الصعبة ليحللها إلى أجزاء صغيرة يسهل فهمها. فيكون مجموع تلك الأجزاء في تكاملها موضحاً للصورة الكبيرة التي قد تبدون معقدة.

الثانية هي القدرة على تعريف تلك الأشياء بشكل واضح، بحيث يصعب الخلط بين الأمور المتشابهة، وهذا ما يطلق عليه اسم "تحرير المصطلح".

وعالم المال والاستثمار مثله مثل بقية مجالات الحياة وعولمها، هناك أشياء تخفي حقيقتها عن المتعاملين بها، فيتصور الشخص أنه يقوم بالأمور على شكل صحيح أو يفهمها على شاكلتها الحقيقية، بينما الحقيقة غير ذلك.

الاستثمار شيء مهم وضروري لتنمية الاقتصاد، لكن في عالم الاستثمار يختلط أربعة مصطلحات مع بعضها البعض، ليصبح المستثمرون ظانين بأنهم يفعلون شيء بينما هم يقومون بشيء آخر تماماً، ربما يكون منافي لثقافتهم أو حتى رغباتهم.

المصطلحات الأربعة هي (التجارة- المضاربة- الربا- المقامرة)، والتي لخصتهم في كلمة واحدة هي التِمُرقُ فقد وجدت بعض المستثمرين يقومون بالمور الثلاثة في نفس الوقت ويكلقةت عليه تداول أو تجارة أو استثمار. وتعير معي شخص يظن نفسه أنه يتاجر في الأسهم أو أي ورقة مالية أخرى لكنه في الحقيقة يقامر أو يرابي وهو لا يدري أنه يفعل ذلك، لمجرد غياب الفرق الواضح بين تلك المصطلحات الأربعة.

لذا وجدت من الواجب على أن أقوم بتوضيح التعريفات والشروط لكل مصطلح مع ضرب المثل الحي من عالم الاستثمار المعاصر.

التجارة

المتاجرة هي بيع وشراء، سلعة أو خدمة محددة المعالم والحالة، بحيث يتم استخدام النقود كوسيط لعملية التبادل التي يجب أن تنتهي بوصول السلعة إلى المشتري والمال إلى البائع.

من التعريف يتضح لك الشروط الواجب توافرها لنطلق على عملية ما أنها علمية متاجرة:

1- وجود سلعة أو خدمة هي محور المتاجرة
2- وجود بائع ومشتري تواجد حقيقي على قيد الحياة (سواء تواجدوا في مجلس أو بشكل إلكتروني آني)
3- وجود النقود كوسيط يدفعه المشتري للبائع مقابل الحصول على السلعة من البائع.
4- وجود وسيلة تؤكد أن البائع وصلة المال وان المشتري وصلته الخدمة.

بتحقق هذه الشروط التي قد تبدون ساذجة يتحقق المتاجرة، وسوف تتفاجئي بعد قليل بأن خلل واحد في هذه الشروط يغير المصطلح تماماً.

ومثال حي على ذلك في عالم الاستثمار هو المتاجرة في أسهم الشركات المدرجة بالبورصات، فالسلعة هو السهم (والذي يمثل أحقية صاحب السهم في امتلاك جزء من الشركة، أي أنك عندما تشتري سهم فأنت تشتري جزء من الشركة). تنتقل هذه السلعة من البائع إلى المشتري الحاضرين في السوق بشخصيهما أو من ينوب عنهما أو التواجد الألكتروني، وذلك الانتقال للملكية يكون مقابل دفع قيمة السهم نقدي للبائع، وتشرف هيئة المقاصة على تلك العملية وتضمن وصول المال للبائع ووصول الأسهم في ملكية المشتري.

المضاربة

يعتقد الكثير من المتعاملين بأسواق المال والبورصات أن المضاربة هي الشراء والبيع بشكل سريع في السوق للاستفادة من فرق سعر البيع والشراء نظراً لتحرك السعر بشكل سريع.

في الحقيقة هذا تعريف ال Speculation وهو لفظ إنجليزي، أرى أنه من الخطأ ترجمته إلى المضاربة، وإن كان قد جرت العادة على ذلك.

أما التعريف الصحيح للمضاربة هو أنها عقد أو سند أمانة بين طرفين، يقدم فيه الطرف الأول مالاً إلى الطرف الآخر، وذلك كي يقوم الطرف الثاني بتنمية هذا المال في عمل أو تجارة ما، على أن يستلم الطرف الأول نصيب من أرباح تلك المتاجرة، فإذا لم يكن هناك ربح فأصل المال لصاحبه.

وبالتالي فإن Speculation هي نفسها المتاجرة مع إضافة حالة واحدة هي أنها متاجرة سريعة وكلاهما نطلق عليه لفظ التداول. بينما المضاربة عو عقد أمانة.

ومثال على المضاربة في عالم الاستثمار هو الصكوك الإسلامية، وهي سند قرض لقيمة معينة من المال بحيث يكون لحامل الصك رأس ماله بالإضافة إلى أرباح إذا كان هناك أرباح، فإن لم يكن فلصاحب الصك الحق في استرداد أصل ماله.

الربا

يتشابه الربا بشكل كبير مع المتاجرة والمضاربة، لن في حال الربا تختفي السلعة، أي لا يوجد سلعة أو خدمة محددة، فالنقود (أصل المال المقترض) هو السلعة التي يتم نقلها من البائع (المُقرض) إلى المشتري (المقترض) في مقابل أن المشتري يدفع للبائع فيمت إضافية من المال (الفائدة) فوق أصل المال. وهنا تعتبر الفائدة هي سعر القرض، لذلك يطلق عليها سعر الفائدة.

ويختلف الربا عن المضاربة بأن المُقرِض الذي قدم المال في حال المضاربة لن يكون له إضافة على رأس المال إلا إذا كان هناك ربح، بينما في حال الربا فعلي المقترض (الذي استلم المال) أن يدفع الفائدة على أصل المال المحتجز بصرف النظر عن الخسارة أو الربح.

ومثال للربا في عالم الاستثمار هو بعض الأنواع السندات العادية، والتي تعني أن حامل السند (المُقرض) يدفع لمُصرد السند (المقترض) قيمة السند مقابل الحصول على فائدة مالية دورية على تلك القيمة بصرف النظر إذا كان المقترض يربح أو يخسر.

المقامرة

في المقامرة تغيب السلعة تماماً، فليس هناك أي سلعة عينية حقيقية أو خدمة أو حتى نقود كما في الربا، وبالتالي يغيب الفكرة الحقيقية للشراء والبيع، لأنه لا يوجد سلعة، حتى وإن أطلقوا على من يدفع المال مشتري ومن يستلمه بائع. لأنه ببساطه ليس كل من يدفع مالاً يشتري وليس كل من يسلم المال بائع.

في المقامرة يوم طرف أوحد أو أكثر (يطلق عليهم مقامرين) بوضع مبلغ من المال مقابل تحقق حدث ما أو تحققه بنسبة أو عدم تحققه، ويكون ربح كل منها بناء على مقدار ما تحقق من الحدث.

ومثال ذلك في عالم الاستثمار ما يطلق عليه التداول أو المتاجرة في العقود الآنية Spot للذهب أو البترول أو العملات، وكذلك أيضا العملات الرقمية. وكذلك التداول على حالة الطقس أو نتائج الانتخابات.

هذا النوع وإن كان موجود في عالم الاستثمار، إلا أنه في الحقيقة لا توجد سلعة من الأساس يتم التداول عليها بشراء أو بيع.

فعندما يقوم المتداول في الذهب Spot بعمل عملية شراء فهذا لا يعني أنه قد أشتري بالفعل، فهذه الكمية من الذهب لم يتم حجزها لصالح المشتري، لأنها غير موجودة من الأساس، والدليل أنه لا ولن تستطيع أن تستلم هذه الكمية من الذهب إذا أردت ذلك. فالسمسار لم يحجز لك هذه الكمية تحت اسمك.

إنما حقيقة الأمر أن المشتري وضع ذلك القدر من المال، كرهان على ارتفاع السعر، وفي الجهة المقابلة هناك شخص آخر يراهن على انخفاض السعر، كلا الطرفين يدفعان أُمَوِّل الأول يسمي نفسه مشتري لأنه يراهن على ارتفاع السعر والثاني يسمي نفسه بائع لأنه يراهن على انخفاض السعر، وفي النهاية سيخرج أحدهما خاسر لا محاله.

خلاصة الأمر أنه في القمار لا يوجد سلعة محجوزة لصالح الشاري، وفي الحقيقة لا يوجد مشتري حقيقي أو بائع حقيقي وإن أطلقوا عليم ذلك.


    إنه يتوجب عليك أن تفهم ما تقوم به حتى تحكم عليه إن كان موافق لمبادئك ودينك أم لا، ولا تترك المجال للبروكر والسماسرة يزيفون لك الحقائق حتى تظهر بشكل يرضيك ويربحون هم عمولاتهم. لا تكن مستثمر بالتِمُرق تتساوي عندك التجارة والمضاربة والربا والقمار.


0 Comments

Get in touch!

Name



Email *



Message *