لا تأكل لحمك ... " مشكلة استثمارية وحل ناجز"

في عالم المشروعات الاستثمارية .. قد يواجه المستثمر عند رغبته في توسيع نشاطه الاستثمارية من خلال زيادة عدد المشروعات او زيادة اصناف الانتاج ، معضلة استثمارية عجيبة ، و هي في الحقيقة مطب او بئر قلما يفطن له المستثمرين.

و تتمثل هذه المعضلة في انخفاض العائد مع ارتفاع التكاليف.

بالطبع ارتفاع التكاليف هنا امر لابد منه ( ما بين تكاليف تأسيس المشروع الجديد وتكاليف تشغيلية وخلافه ) ، العجيب في الامر عدم وجود عائد كما كان متوقع ، بل والاكثر من ذلك ان العائد من المشروع القديم ينخفض هو الاخر. 

هنا يبدا المستثمر في توجيه سؤال واحد ... ما السبب؟
وتكون الاجابة التقليدية والحل ايضا لذلك السؤال مختلفة بحسب اختلاف الشخص الموجه له السؤال كالتالي :

المدير المالي ستكون اجابته : نحن لم نكن مستعدين ماليا لهذا المشروع الجديد الذي سحب من عوائد المشروع القديم سيولة لتأسيسه و تشغيله ، لذا اوصي بوقف المشروع الجديد لتقليل التكاليف.

المدير التنفيذي ومدير التسويق ستكون اجابتهما : هذا طبيعة المشروعات الجديدة تحتاج دائما الى دفع مالي في عملية الانتاج و التشغيل حتي يتقبله السوق ، وما حدث للمشروع القديم ان السوق ( الثابت عددا ) قد توزع بين المشروعين او المنتجين فأدي ذلك الى ضعف في عائد المشروع القديم ... لذا كل ما نحتاجه هو فتح اسواق جديدة وضخ تمويل قوي للمشروعين.

و هكذا ستختلف الرؤي حتي ان "مسؤول البوفيه" ... قد يرجع الامر ( ان استشرته ) الى ان سعر القهوة ارتفع وهذا اثر على مزاج الموظفين و العاملين و ادي الى انخفاض الانتاج.

ربما يكون رأي كل هؤلاء وغيرهم به جزء من الصحة ، ولكن حالة التناقض والتضارب في الاقوال ستؤدي بالمستثمر الى حالة من التشوش الذهني ، و عدم القدرة على اتخاذ القرار السليم.

دعني اصف لك .. حقيقة المشكلة والتي نطلق عليها اسم cannibalization او التأكل 
كلمة Cannibals تعني آكل لحوم البشر و الـ cannibalization هو من اخطر المشكلات و المعضلات التي تقابل المستثمرين ، وتكمن مشكلتها في خفائها و عدم وضوحها رغم بساطتها و انه يمكن الاستفادة منها في زيادة الانتاج و العوائد!!!

ما حدث بإختصار هو ان المنتج او المشروع الجديد ادي الى عملية تآكل للمشروع القديم ، عملية التأكل هذه تؤدي الى ضعف العائد من المشروع القديم وتوقف المشروع الجديد عن عائده بسبب تأثره بسلبيات المشروع القديم. و هذا سيؤدي في النهاية الى افلاس المشروعين.

دعني اضرب لك ثلاث امثله على هذه المعضلة " من واقع عملي في مجال الإستثمار" ، احدها في الشركات او المشروعات الخدمية وآخر في الصناعية والثالث في التجارية.

اولا : الخدمات 

    شركة متخصصة في خدمات التدريب والتعليم على التداول في والتعامل في البورصات ، و بعد نجاح لهذه الشركة بشكل كبير وارتفاع ارباحها عام وراء عام ، قرر المستثمرين انشاء شركة لخدمات إدارة المحافظ الاستثمارية للافراد او السمسرة مثلا.

     معتقدين ان لديهم رصيد من العملاء ( الذين حصلوا على دورات تدريبية في الشركة القديمة ) ، الذين سيكونوا عملاء للشركة الجديدة.

لكن ما حدث هو ان الشركة القديمة بدأت تنخفض في نشاطها التدريبي بسبب عزوف العملاء عنها ، نفس العملاء القدامى الذين لم يفكروا في الاستفادة من خدمات الشركة الجديدة الا قليلا.

المستثمرين و فريقهم يحاربون بكل الطرق و الاشكال لاعادة امجاد الشركة القديمة و الدفع بالمشروع الجيد للأمام... الامر الذي يبوء بالفشل دائما ، وهنا يبدا المستثمرين بإتهام الادارة بالتقصير و تبدا الادارة بإتهام الموظفين بالتقصير... وهنا يبدا سيناريو انهيار المشركتين.

ماذا حدث في هنا ؟!!
ما حدث ان المشروع الجديد احدث عملية تآكل للمشروع القديم ... سأوضح اكثر.
ضع نفسك مكان العميل ... انت الان حصلت على برنامج تدريبي تتعلم فيه كيف تتداول و تتعامل في البورصة بشكل ناجح ... !
ما الذي يدفعك الى ان تعطي اموالك الى احد آخر ليدير لك اموالك ( الشركة الجديدة ) ؟!!
بالتالي انت لن تتقدم للحصول على خدمات الشركة او المشروع الجديد ، لانك تعتقد انك تمارسه بشكل جيد بناء على ما حصلت عليه من المشروع القديم.
على الناحية الاخري اذا كنت لم تستفد شئ من البرنامج التدريبي الذي يقدمه المشروع القديم ، فأنت كعميل ستشعر بأنه قد تم التغرير بك ، فكيف تثق في المشروع الجديد لنفس المستثمرين ؟!!!!

من ناحية ثالثة انت اذا قررت ان تتعامل مع المشروع الجديد لادارة اموالك نيابة عنك ، فما الذي يدفعك الى ان تحصل على برنامج تدريبي من المشروع القديم ، و انت لن تستخدمها.

ناهيك عن ان اي خطآ او مشكلة ( وخاصة في جودة المنتج او السمعة ) تمس اي المشروعين سوف تؤثر بشكل مباشر على المشروع الاخر.

هكذا كل مشروع ادي الى حالة من التأكل للمشروع الاخر.


ثانيا : الصناعة 

شركة لتصنيع الاجهزة الكهربائية ، بعد اعتمادها فتره طويلة على منتج غسالات اكتسح السوق ، قررت الشركة ان تؤسس خط انتاج جديد لإنتاج غسالات اكثر تطورا ، بعد استيراد تكنولوجيا حديثة في تصنيع الغسالات من الخارج. 
و بعد نزول المنتج الجديد الى السوق ، وجد المستثمرين انخفاض للعائد من المنتج الجديد والقديم ... كنت حاضرا لإجتماع مجلس الادارة الذي ظهر فيه انفعال مكبوت للعضو المنتدب و عدم رضي المساهمين عن المركز المالي للربعين السابقين.

و بدأت المبررات وتحديد الاسباب والاقتراحات للحلول من كل اعضاء مجلس الادارة ...
المشكلة الرئيسة كانت حرص المدير التنفيذي ومدير الانتاج على بقاء خطي الانتاج ، بالرغم من حالة التأكل التي صنعها المنتج الجديد على مستوي السوق و التشغيل. 

فمن ناحية العميل لديه ثقة في المنتج القديم لأنه مجرب و سعره مناسب ، بينما المنتج الجديد اكثر تطورا و سعره قريب من المنتج القديم ، فأدي ذلك الى حالة من الارتباك في قرار المستهلك عند الشراء .

ومن جهه اخري فإن العاملين داخل المصنع على خط الانتاج القديم ، يتقدمون بطلبات نقلهم الى خط الانتاج الجديد حيث انه اكثر سهولة في آلية التصنيع و التركيب ، كما ان خط الانتاج القديم اصبح به عيوب كثيرة ، ومع تلبية الادارة لرغبات العمال ادي ذلك لمشكلتين في آن واحد ، يتمثلان في ضعف الانتاج القديم و ظهور العيوب به بسبب انتقال العمالة الخبيرة الى الخط الجديد ، و في نفس الوقت ظهر عيوب في المنتج الجديد بسبب ضعف خبرة العمال القدامى فيه ( شئ جديد عليهم ).

 ثالثا: التجارة 
شركة لتوزيع المواد الغذائية متخصصة في توزيع المعلبات الغذائية على نقاط البيع ، وبعد نجاح الشركة التي اصبح لديها اسطول من سيارات النقل ، قررت الشركة ان تفتح خط خدمي لنقل و توزيع البضائع للغير ( لشركات اخري ) . و بذلك تستخدم اسطولها البري استخدام امثل و بالتالي سوف توفر من مصاريف ايجارات جراجات السيارات ( حيث ان الخطة تهدف الى ان السيارات تظل في الطريق 24 ساعة ) .

وكما هي العادة .. انخفض معدل العائد من المشروعين القديم والجديد ، بل وبدأت سمعة الشركة في الانخفاض بسبب حالات عدم الالتزام بمواعيد التسليم ، اضف الى ذلك ان ما وفرته الشركة من ايجار الجراجات والمخازن تم صرف اضعافه على صيانة السيارات والوقود والمكافئات الاضافية للعمال.

الاكثر من ذلك ان الشركة في مرات كثيرة ، قبلت نقل بضائع من منافسين في مجال المعلبات الغذائية ، مما ادي الى انخفاض في العملية التوزيع لمنتجهم التجاري.

الحالات الثلاثة السابقة .. تعكس كيف يمكن ان يظهر الـ  cannibalization في عملية التشغيل او التمويل مما سيؤدي الى انهيار المشروعين.

فوائد التأكل "  cannibalization "

بالرغم من خطورة الـ  cannibalization الا انه يمكن استخدامه بشلك اكثر إفادة للشركة ، و في رأيي الشخصي تعتبر شركة "ابل" من افضل الشركات التي تستخدم الـ  cannibalization في تعظيم العوائد الاستثمارية لها. 
حيث تستخدم ابل نظرية الـ  cannibalization في احداث حالة قتل للمنتج القديم من هاتفها المحمول IPhone ، و ذلك بهدف تسليط الضوء على الهاتف ذو الاصدار الجديد . او انها قد تستخدم الـ  cannibalization في اعادة بيع المنتج القديم على انه جديد ، كما فعلت في IPhone 5 الذي شهد مبيعات اقل من المتوقع فأعادت انتاجه مره اخري و لكن بأسم IPhone 6 . 












0 Comments

Get in touch!

Name



Email *



Message *