مرض الموت وسكراته ... اول مراحل الطريق للآخرة ... كيف تنجو منه ؟

مرض الموت وسكراته
وصف المرحلة :
مرض الموت يبداء كحالة مرضية عارضة تخرج خلالها الروح ابتداء من أصابع القدم وحتي تصل الى الحلقوم وعندها تحدث الغرغرة التي ينتهي معها كل شئ. وذلك مروراً بكل جزء من أجزاء الجسم من أسفله الى اعلاه.
خلالها يتعرق الجسد وتبرد حرارة أجزاء الجسم التي يخرج منها الروح ، فتجد الوجه يتعرق واجزاء من الجسم باردة ، وتزداد حالات الإعياء والغماء وغياب الوعي وعودته ، وقد يشعر الحاضرين لحالة الوفاة ان المتوفىَ يري اشياء هم لا يرونها ، لما يحدث من هلوسات وزوغان للبصر.
والمريض هنا قد يشعر بمن حوله احيناً ، وقد لا يشعر بهم وهم حوله.
وهذه الحالة المرضية تكون كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم سبباً في التكفير من ذنوب المتوفى فعن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما يصيب المسلم من نَصَب، ولا وَصَب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)) رواه البخارى.

ولذا استعاذ النبي من موت الفجأة ... وهو موت لا تسبقه أعراض مرض ولا سكرات تمحو الذنوب ، وكثرة أنتشار موت الفجأة علامة من علامات قرب يوم القيامة.

والموت دون سكرات او مرض يسبقه هو للمجاهد في سبيل الله شهادة  ، وهو للمؤمن الطائع لله رحمة ، وهو للعاصى والكافر أسف وسخط من الله.
فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَوْتِ الْفَجْأَةِ؟ فَقَالَ: « رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَأَخْذَةُ أَسَفٍ لِلْفَاجِرِ» أخرجه أحمد في المسند (25042).
وحالة المريض في مرض الموت وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم  بدقة في حديث سيدنا البراء بن عازب الطويل ، حين فرق بين سكرات المؤمن وسكرات الكافر.
فقال في حال المؤمن حين يصيبه مرض الموت:

" إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ؛ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ _ عَلَيْهِ السَّلام _ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ! اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللهِ وَرِضْوَانٍ ". قَالَ: " فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ "
أما في حال الكافر يصيبة مرض الموت فيقول النبي صلى الله عليه وسلم عنه:
" أما الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمْ الْمُسُوحُ ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللهِ وَغَضَبٍ ". قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ ".

هكذا فإن حال السكرات للمؤمن أهون بكثير من حال الكافر ، وهنا يأتي دور ابليس عند موت المؤمن، فنفس المؤمن ستتفلت منه الى الجنة ، وهو من قطع على نفسه العهد بأن يبقي في غواية الانسان حتي آخر رمق.

(( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ، وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ، وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ )) الأعراف/16-17

والسكرات حالة من الضعف الشديد ، وهي فرصة لأبليس أخيره كي يحقق مراده ويموت ابن آدم كافراً ، لذا كان النبي يتعوز بالله من مس الشيطان حين الموت ، فعن أبي اليسر في الحديث انه  صلى الله عليه وسلم  قال " وَأَعُوذُ بِكَ أَن يَتَخَبَّطَنِي الشَّيطَانُ عِندَ المَوتِ " رواه احمد وصححه الالباني.

وعليه فقد ذهب بعض اهل العلم ان ابليس قد يتمثل في صورة احب الناس الى قلب المريض ليغويه ، فقد اورد القرطبي في كتابه التذكرة في احوال الموتى ( أن العبد إذا كان عند الموت قعد عنده شيطانان ، الواحد عن يمينه والآخر عن شماله ، فالذي عن يمينه على صفة أبيه ، يقول له : يا بني ! إني كنت عليك شفيقاً ولك محباً ، ولكن مت على دين النصارى فهو خير الأديان ، والذي على شماله على صفة أمه ، تقول له : يا بني ! إنه كان بطني لك وعاء ، وثديي لك سقاء ، وفخذي لك وطاء ، ولكن مت على دين اليهود وهو خير الأديان ).

ومن اهل العلم من ذهب الى ان احد ألاعيب ابليس في ذلك الوقت هو ان يساوم الميت على شربة ماء ، حيث يكون جوفه حار وحلقه جاف.

وهنا حقيقة المشكلة التي تزداد تعقيداً ، فقد يصبح الرجل مؤمناً ويموت كافراً ، فيشتد عليه سكرات الموت كما في وصف حديث البراء موت الكافر ونزع روحه.

النجاة من سكرات الموت :
أولاً: ادعوا الله ان تلقاه شهيداً ، فالشهيد لا يشعر بسكرات الموت.
( عن أبى هُريرةَ رضِيَ الله عنهُ عن الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّهُ قال: ما يجدُ الشَّهيدُ من مسِّ القتلِ إلَّا كما يجدُ أحدُكُم من مَسِّ القرصةِ ) حديث صحيح رواه التزمزي.
فكل ما يشعر به الشهيد عند موته وان طال .. فقط قرصة مثل قرصة بعوضة. فلا سكرات ولا ابليس يقترب منه.
ثانياً : الادمان على قول " لا اله الا الله محمد رسول الله " في الدنيا ، فمن اعتاد بها لسانه واعياً وغير واعي كان ايسر عليه قولها وهو في حال السكرات.
اورد الامام احمد في مسنده عن يحيى بن طلحة، عن أبيه، قال رأى عمر رضى الله عنه ، طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه ثقيلا فقال ما لك يا أبا فلان لعلك ساءتك إمرة ابن عمك يا أبا فلان قال لا إلا أني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ما منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات ، سمعته يقول إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه ونفس الله عنه كربته ، قال فقال عمر رضي الله عنه إني لأعلم ما هي ، قال وما هي؟ ، قال تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت لا إله إلا الله ، قال طلحة صدقت هي والله هي‏.‏

ثالثاً : لتكن حريصاً على مصاحبة الاخيار من الناس الذين يلازمونك في الشدائد ، فهم سبب في الموت على الأيمان.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) ... آل عمران.
في هذه الايات المباركات امر الله عباده بان لا يموتوا الا و هم مسلمون ، فإذا كان السؤال كيف للأنسان ان يموت مسلماً والقلوب بين يدي الله يقلبها كيف يشاء ، والدنيا فتن قد يصبح الرجل فيها مؤمن وقد يمسي كافراً.
فتأتي الاجابة على هذا السؤال بعد الامر مباشرة ، وهو الاعتصام وعدم التفرق ، كأنه جعل الاتحاد وعدم التفرق أحد اسباب الموت على الأسلام ، حيث يقضي المرء عمره في صحبة اخوانه معتصمين بالله فيموت على ذلك الاعتصام ، ولا يكون عرضة لأبليس ينفرد به.

وهنا تجدر الأشارة الى بعض الآداب الهامة لمن يحضر مريض عند موته .. وهي:
1.     لا يجب فعل الأشياء التي قد تضايق المريض ، كدخول من يكرهه عليه او التزاحم عنده واحداث ضوضاء.
2.     تلقين المريض الشهادة برفق وبطريقة غير مباشرة حتى لا يخاف ويجزع ، وكذلك تذكيرة برحمة الله بخلقه.

3.     ليحرص الزائرون على وجود ماء بارد عند المريض للشرب وترطيب وجهه.

0 Comments

Get in touch!

Name



Email *



Message *