علماء صدر الأسلام والأورام السرطانية

 يعـرف السـرطان بصفـة عامـة أنه نمو جديد للأنسجة ينتج من التكاثر المستمر لخلايا غير طبيعيـة لهـا القـدرة على مهاجمة الأنسجة الطبيعية والقضاء عليها. 

ابو القاسم بن عباس الزهراوي
وقد ينشأ السرطان من أي نـوع مـن الخلايـا، وفـي أي نسـيج مـن أنسـجة الجسم وهو ليس مرضا واحدا بل هو مجموعـة كبـيرة مـن الأمـراض تصنـف حسب النسيج ونوع الخلية التي نشأ منها المرض. وتنشـأ كل الخلايا السرطانية عادة من خلية واحدة، بعد أن تخلصت هذه الخلايا من القوة المعتـادة التـي تنظـم نمـو الخلايـا. وتشبه الخلايا السرطانية خلايا الجنين حيث تكون غير قادرة على التمييز أو النضج بحيث تصل إلى مرحلة النضج والقيام بالوظائف. وعندما تتكاثر هذه الخلايا، فقد تكون كتلة تسمى الورم الذي يتضخم ويستمر في النمو بغض النظر عن وظيفة النسيج الذي نشأ منه. 

والأورام السـرطانية هـي أكـثر أنـواع السـرطان المنتشرة وتنشأ من الأنسجة الظهارية مثل الجـلد وبطانـة تجاويف وأعضاء الجسم والأنسجة الغددية بالثدي والبروستاتا. وتسمى الأورام ذات الـتركيب الـذي يشـبه الجـلد أورام الخليـة المحرشـفة ، أما تلك التي تشبه الأنسجة الغددية فتسمى الأورام السرطانية الغددية.

 وقد يشمل ابيضاض الدم والأورام الليمفاوية أنواع السرطان التي تحتوي على أنسجة تكوين الـدم وتبدو أعراضها في صورة تضخم العقد الليمفاوية كما تصيب الطحال والنخاع العظمي وتتكاثر الخلايا البيضاء غير الناضجة بكثرة. 

ولقد عرف الأطباء المسلمون الأورام السرطانية منذ أمد بعيد. ومع بداية القرن الرابع الهجري / العاشـر المـيلادي تم وصفه وصفا دقيقا في مؤلفاتهم الطبية وأطلقوا علي هذا النوع من الأورام (السـرطان). 

ويشـير الزهـراوي فـي كتابه التصريف إلى سبب هذه التسمية فيقول: 


"السرطان إنما سمي سرطانا لشبهه بالسرطان البحري، وهو على ضربين: مبتدئ من ذاته أو ناشـئ عقب أورام حارة وهو إذا تكامل فلا علاج له ول برء منه ولا داوء البتة إلا بعمل اليـد إذا كان في عضو يمكن استئصاله فيه كله بالقطع ... والسرطان يبتدئ مثل الباقلاء ثـم يـتزايد مـع الأيـام حتى يعظم وتشتد صلابته ويصير له في الجسد أصل كبير مستدير كمـد اللـون تضـرب فيه عروق خضر وسود إلى كل جهة منه وتكون فيه حرارة يسيرة عند اللمس".

 أمـا الـرازي فيصـف السـرطان في كتابه الحاوي بقوله: 
"ورم مستدير في أكثر الأمر لازم الأصـل فهـو فـي العضـو أكثر منه خارج له أصل كبير وعروق ممتدة منها خضر وفي مجسته حرارة على الأمر الأكثر... ويعرض في الأكثر في الأعضاء العصبية، وإن تقرح أو بط انقلب وغلظ وأحمر وصار وحشا ولم يبرأ إلا باستئصاله وسل عروقه ". 

وقـد حـاول الزهـراوي التمييز بين أنواع الصلابة المختلفة التي يعرض لها البدن مميزا بينها وبيـن الـورم السـرطاني الحادث في الكلى فيقول: 
"الصلابة على نوعين إما أن تكون ورما سـرطانيا، وإمـا أن يكـون التحجـر مـن قبـل الإفراط في استعمال الأدوية الحادة عند علاج الـورم. وعلامـة الصلابة فقد الحس بدون وجع، ويحس العليل بثقل شديد وكأن شيئا معلقا بكليتـه العليـا إذا اضطجـع، ويكون الثقل أكثر من خلف من ناحية الخاصرة ، ويتبع ذلك ضعف الساقين وهزال البدن واستسقاء ، ويكون البول يسير المقدار رقيقا غير ناضج".

 كـذلك فـرق الزهـراوي بين سرطان القرنية والسرطان الحادث في البدن فيقول:
 "الفرق بينه وبين السرطان الحادث في البدن أنه إذا ما حدث في العين لزمه وجع شديد مؤلم مع امتلاء العـروق والصـداع وسـيلان الدمـوع الرقيقـة، ويفقد العليل شهوة الطعام ولا يحتمل الكحل، ويؤلمه الماء، وهو داء لا يبرأ منه، لكن يعالج بما يسكن الوجع". 
كما يشير إلى الورم الحادث في الرحم فيقول: 
من كتاب التصريف للزهراوي
"السرطان يكون على نوعين إما متقرح وإما غير متقرح. وعلامته أن يكون فيما يلي: فم الرحم جاسيا ليس بالأملس، ولونه كلون الورد إلـى الحـمرة وربمـا كـان إلى السواد ويعرض معه وجع شديد عند الأربيتين وأسفل البطن والعانـة والصلـب. وعلامـة المتقرح سيلان الصديد الأسود المنتن منه، وربما سال منه شيء مائي أبيض وأحمر، وربما جاء منه دم".

 أمـا ابـن سـينا فقد ذكر أعراض الورم السرطاني في الكبد في كتابه القانون بقوله: 
"فإن كان الصلب سرطانيا كان هناك إحساس بالوجع وكان أحداث الآفة في اللون وفي الشهوة وغـير ذلك أكثر إحداثا وربما أحدث فواقا وغثيانا بلا حمى، وإن لم يحس بالوجع كان في طريق إماتة العضو. واعلم أن الكبد سريع الانسداد والتحجر". 

ويشـير ابـن سـينا إلـى ضـرورة اسـتئصال السـرطان كليا لمنع انتقاله كما هو الحال في سـرطان الثـدي فيقـول: 
"وقـد حـكي بعض الأولين أن طبيبا قطع ثديا متسرطنا من أصله، فتسـرطن الآخـر (أقـول) إنـه يمكـن قد كان ذلك في طريق التسرطن فوافق تلك الحالة، ويمكن أن يكون على سبيل انتقال المادة وهو أظهر".

ويشـرح الزهـراوي كيفيـة اسـتئصال الـورم السـرطاني بقوله: 
"ذكر الأوائل أنه متى كان السـرطان فـي مـوضع لا يمكـن اسـتئصاله كلـه، لا سيما متى قدم وعظم، فلا ينبغي أن تقربـه، فـإني مـا اسـتطعت أن أبرئ منه أحدا، ولا رأيت الغير والكل كذلك. أما إذا كان مركزه حيث يمكن إخراجه، كالذي في الثدي أو الفخذ ونحوهما من الأعضاء، ولا سيما إذا كـان مبتديـا صغـيرا، فالعمل فيه أن نسهل العليل مرات من السوداء، ثم نفصده، إن كان فـي العـروق امـتلاء من دم. ثم ننصب المريض نصبة نتمكن فيها من العمل، ثم نلقي في السـرطان الصنـانير التي تصلح له ثم نقوره من كل جهة مع الجلد على استقصاء حتى لا يبقـى منـه شـيء مـن أصولـه. واتـرك الدم يخرج ولا تقطعه حتى لا يبقى منه شيء من أصوله. واترك الدم الغليظ يسيل كله بيدك أو بما أمكنك من الآلات، فإن عرض في عملك نزف دم عظيم من قطع شريان أو وريد، فاكو العرق حتى يقطع، ثم عالجه بسائر العقاقير والعلاج والله الشافي". 

وفـي الممارسات المعاصرة لعلاج السرطان يتدخل العلاج الإشعاعي والعلاج الكيميائي بجانب الجراحـة. ولكـن يوجـد حديثـا دراسـات أخـرى عـن أهمية وفائدة العلاج المناعي ومقومات الاستجابات البيولوجية. ومن بين الإجراءات الوقائية الهامة في القضاء على السرطان الإقلاع عـن تعـاطي التبـغ الـذي يعتـبر السبب في 30 في المائة من الوفيات من جراء السرطان. 

كمـا ينصـح بـالاعتدال فـي تنـاول الأطعمة المعالجة بالملح أو التدخين أو تلك المضاف إليها النيـترات. كمـا يـوصى بالابتعـاد عـن تعـاطي الكحـول. وينبغي أن يتجنب المرء التعرض لأشـعة الشمس. وفي حالة التعرض لها، يوصى باستخدام واقي من الشمس لتجنب الإصابة بسرطان الجلد.

0 Comments

Get in touch!

Name



Email *



Message *