أهتمام علماء المسلمين بعلم التشريح المقارن

صورة فرس مسطوح على ظهره
دراسـة تهتـم بأوجـه التشـابه الجسـماني
 بين مختلف أعضاء المملكة الحيوانية
يشير هذا المصطلـح بالدرجـة الأولـى إلـى الدراسة التشريحية للفقاريات البالغة وكذلك بالاعتماد على الأحافير المتبقية لهذه الكائنات والمعلومات الجنينية المتعلقة بها.

والمفهـوم الرئيسـي للتشـريح المقـارن يـدور حـول التجـانس أو التشابه التركيبي والاختلاف الـوظيفي أو تشـابه المنشـأ الجـنيني لأجـزاء جسـم الحيوانات المختلفة. فقد يكون تركيب الحيوانات متشابها من حيث الشكل ولكن ليس بالضرورة أن يوجد هذا التشابه في وظائف الأعضاء أو آلية حركتها.

 وعنـد عقد مقارنة بين أنواع الكائنات المختلفة، يمكن وصف بعض السمات التكييفية على أنهـا إمـا متشـابهة الوظيفـة بغـض النظر عن أشكالها، وإما متشابهة في التركيب والمنشأ والتطور ولكن ليس بالضرورة متشابهة في الوظيفة. فالطيران مثلا له آليات معينة، ومن ثم فإن كل من الطيور والخفافيش والحشرات التي تستطيع الطيران لا بد أن يكون لها أعضاء تـؤدي هـذه الوظيفـة حـتى وإن اختلفت في أشكالها. وعلى العكس من ذلك فإن الأعضاء المتشـابهة فـي الحيوانـات المختلفة قد تؤدي وظائف متباينة تماما مثل الأطراف الأمامية للفأر وجناح الخفاش التي تتشابه في التركيب والشكل ولكنها تختلف في الوظيفة. 

كمـا تتشـابه خياشـيم الأسماك ورئات الحيوانات التي تمشي على أربع في تركيبها. وعلى الـرغم مـن ذلـك، تسـتخدم هذه الأعضاء في أداء وظائف مختلفة تماما. وكذلك فإن أطراف الكـلب الأماميـة وذراع الإنسـان وجنـاح الطـائر والزعانف الصدرية في الأسماك تتشابه في تركيبها، إلا أنها تفي بمتطلبات وظيفية مختلفة في بيئات متباينة.

 وفـي الحضـارات القديمـة لم يكن التشريح المقارن ذا موضوع ، إذ أن فكرة التشريح ذاتها كانت مرفوضة لما للموتى من قدسية خاصة. وبعد نزول الديانتين اليهودية والنصرانية كان الأمـر أكـثر تشديدا على مسألة التشريح من قبل الرهبان والقساوسة. وقد ظل الأمر كذلك حـتى القـرن الخـامس الهجـري / الحـادي عشـر المـيلادي لم يكن التشريح إلا إشارات في الأدبيـات. وتمثـل قصة حي بن يقظان التي كتبها ابن طفيل نموذجا أدبيا يصف فيها تشريح ظبية ليتعرف فيها على أعضائها الداخلية كنوع من التشريح المقارن. 

وفـي أواخـر القـرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي أجاز الفقهاء المسلمون التشريح للضـرورة ، كمـا أصبـح مـن الممكـن الحـديث عـن التشـريح كمـادة أساسـية تـدرس في المستشـفيات. 

ولقـد رفـع ابـن جـميع المصـري فـي عـام 590هـ / 1193م رسالة إلى السـلطان الناصر صلاح الدين يبين فيها أهمية تدريس مادة التشريح في البيمارستان الناصري . وفي عام 597هـ / 1200م قام عبد اللطيف البغدادي مع مجموعة من تلاميذه بمعاينة تـل مـن عظـام المـوتى فـي مدافن بوصير القديمة. فذكر :

"... ومن عجيب ما شاهدناه، أن جماعـة ممـن ينتـابني فـي الطب وصلوا إلى كتاب التشريح ، فكان يعسر إفهامهم وفهمهم ، لقصـور القـول عـن العيان، فأخبرنا أن بالمقس تلا فيه رمم كثيرة ، فخرجنا إليه ، فرأينا تلا مـن رمـم لـه مسـافة طويلـة يكـاد يكون ترابه أقل من الموتى به ، نحدث ما يظهر منهم للعيـان بعشـرين ألفـا فصاعدا ، وهو على طبقات من قرب العهد وبعده. فشاهدنا من شكل العظـام ومفاصلها وكيفية اتصالها وتناسبها وأوضاعها ما أفادنا علما لا نستفيده من الكتب، إما لأنها سكتت عنها، أو لا يفي لفظها بالدلالة عليه، أو يكون ما شاهدناه مخالفا لما قيل فيهـا. والحـس أقوى دليلا من السمع، فإن جالينوس، وإن كان من الدرجة العليا من التحري والتحـفظ فيما يباشره ويحكيه، فإن الحس أصدق منه. ثم بعد ذلك يتخيل لقوله مخرجا إن أمكـن فمن ذلك عظم الفك الأسفل، فإن الكل قد أطبقوا على أنه عظمان بمفصل وثيق عند الحـنك. وقولنـا الكـل، إنمـا نعنـي بـه هاهنا جالينوس وحده، فإنه هو الذي باشر التشريح وجعلـه دأبـه ونصب عينيه وصنف فيه عدة كتب معظمها موجود لدينا لم يخرج إلى لسان العـرب. والذي شاهدناه من حال هذا العضو أنه عظم واحد ليس فيه مفصل ولا درز أصلا، واعتبرنـاه مـا شـاء الله من المرات، في أشخاص كثيرين تزيد على ألفي جمجمة، بأصناف مـن الاعتبـارات، فلـم نجـده إلا عظمـا واحـد من كل وجه، ثم إننا استعنا بجماعة مفترقة اعتبروه بحضرتنا وفي غيبتنا فلم يزيدوا على ما شاهدناه منه وحكيناه".

 أمـا أول دراسـة علميـة كـتبت في التشريح المقارن فكانت لابن النفيس في منتصف القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي. فذكر ابن النفيس في كتابه شرح تشريح القانون

تحميل كتاب شرح تشريح القانون
"والحيوانـات تخـتلف فـي الأعضـاء اختلافـا كبـيرا، وذلـك لأن الأعضـاء هي آلات للنفس الحيوانيـة، وهـذه الآلات تخـتلف لا محالة باختلاف النفوس، إذ لكل نفس أعضاء تليق بها. كالأسـد فإنـه لمـا اعتـذاؤه مـن اللحـم، وإنما يتمكن من ذلك بأن يكون قويا على الصيد، وقهـر غـيره مـن الحـيوان، ليتمكـن مـن أكله وإنما يمكن ذلك بأن يكون شجاعا، شهما، جريئـا، مقدامـا، قويـا عـلى قهـر غـيره مـن الحيوان. وإنما يمكن ذلك بأن تكون أعضاؤه شـديدة القـوة . وإنما يمكن ذلك بأن تكون عظامه قوية، مستحكمة، مصمتة، خفية، حتى كأنهـا مـن عظـم واحد. ولا كذلك كثير من الحيوانات، فإن بعضها ضعيف البطش، واهي الـتركيب كـالدود، وكثير من حيوان البحر، وأكثر الحيوانات مشتركة في كل واحد منها له عظام، ولحم، وعصب، وأربطة، ونحو ذلك". 

ويضيف ابن النفيس

"واختلاف الحيوانات في الأعضاء قد تكون في أنفسها وقد تكون في أحوالهـا. أمـا الاخـتلاف فـي الأعضـاء أنفسها، فقد يكون في عضو بسيط، وقد يكون في عضـو مـركب. أما الاختلاف في العضو البسيط فمثل السمك له فلوس ، والقنفذ له شوك، والطـائر لـه ريش، والغنـم لـه قرون، والسلحفاة لها صدف، وليس شيء من ذلك للإنسان. وأمـا الاخـتلاف فـي العضو المركب، فمثل أن الفرس له ذنب، والجمل له سنام، والطائر له جنـاح، وليس شـيء مـن ذلـك للإنسـان وإن كـان له أجزاء غير هذه كالعصب، والعظم، واللحم، والرباط ونحو ذلك.
 وأمـا اخـتلاف الحيوانـات بـاختلاف الأعضاء، فذلك بأمور. أحدها: مقادير الأعضاء، فإن رأس الإنسـان إذا قيس إلـى سـائر بدنـه كـان عظيمـا جـدا، وليس كذلك غيره من الحيوانات. وثانيها: أعداد الأعضاء. فإن أعضاء الإنسان كثيرة جدا بالقياس إلى أعضاء الدود. وللإنسان ثديان فقط، وللكلب ثمانية أثداء. وكذلك للإنسان رجلان فقط ولبعض العناكب ستة أرجل، ولبعـض عشرة ولبعض الحيوان أرجل كثيرة جدا، كما للحشرة المعروفة باسم (أم أربعة وأربعيـن). وثالثهـا: كيفيـات الأعضـاء مثـل أن عظـام رأس الأسـد والفيل شديدة الصلابة، وعظـام رأس الإنسان رخوة جدا، وليس كذلك غيره. وكذلك لون عين الإنسان يخالف جدا لـون عيـن الهرة. ورابعها: أوضاع الأعضاء. فإن ثدي الإنسان في صدره، وثدي الفيل قربت مـن صـدره، وثـدي الفـرس ونحوه قربت من سرته. وخامسها: أفعال الأعضاء من أن يدي الإنسـان يبطش بهمـا، ويتنـاول بهما الأشياء. وليس كذلك الفرس ونحوه. وأنف الفيل يقوم مقام اليدين من الإنسان في تناول ما يتناوله. وسادسها: انفعالات الأعضاء. فإن عين الخفاش تنفعـل جـدا عند الضوء الشديد والحرباء بالضد من ذلك. وقد خلق الإنسان صناعي المأكل والملبس فـاقد السـلاح، فكـري الصنـائع، وإنمـا خلق كذلك ليكون كثير الفكر فيتهيأ له لأجـل كـثرة فكـره بكـثرة الارتياض أن يتوصل إلى معرفة الله تعالى ومعرفة مخلوقاته. وليس كـذلك غـير الإنسـان، فلـذلك جعل ذلك كله لغير الإنسان بالطبع. والأعضاء العالية تكـون أولا فـي الإنسـان عظيمـة، ثـم تعظـم أسـافله، فتتشابه أجزاؤه وتنحني أعاليه عند الكـبر، والأعضـاء المتيامنة في جميع الحيوانات شبيهة جدا للمتياسرة. وأما الأعضاء العالية فتشبه السافلة شبها أقل كاليدين ربما في الإنسان للرجلين. وأما الأعضاء الخلفية، والقدامية فالشبه فيها أقل". 

وحديثـا يسـاهم التشـريح المقـارن في تصنيف الكائنات . كما أنه أصبح عاملا مساعدا في عملية نقل الأعضاء بين الكائنات. ومن بين الأعضاء التي نجح نقلها القلب والكبد والكلية ونخـاع العظـام والقرنيـة والبنكريـاس. وفـي حالات قليلة، تم نقل كل من القلب والرئتين سـويا، ولكنهمـا عـملا لفـترة صغـيرة فقط. ويتم نقل القلب والكبد عندما تتعرض أعضاء الإنسان لتلف لا يمكن علاجه مثل الإصابة بأزمة قلبية أو التليف الكبدي. أما القرنية فتنقل لعلاج العمى .

 وبالنسـبة لحـالات نقـل البنكريـاس، فقـد جـرت محاولات لإجرائها على الأشخاص المصابين بمـرض السكر، بينما نقل نخاع العظام للأشخاص المصابين بسرطان أعضاء تكوين الدم أو اللوكيميا .

0 Comments

Get in touch!

Name



Email *



Message *