تاريخ البوصلة المغناطيسية والجيروسكوبية والمزاول

بوصلة آلـة تدل على الأتجاه بالنسبة للشمال المغناطيسي، وتعتبر الأداة الأساسية في الملاحة، وبدونها يواجه الملاح صعوبة في تحديد مسار السفينة. وتأخذ البوصلة المغناطيسية خصائص تحديد الاتجاهات من مغناطيسية الأرض. 
يوجـد نوعـان مـن البـوصلات المغناطيسية: البوصلة ذات القرص الصلب والبوصلة السائلة. 

وتتكـون البوصلـة ذات القـرص الصلـب المستخدمة في السفن من نظام من الإبر الممغنطة معلقـة بخيوط حريرية من قرص البوصلة المدرج الذي يبلغ قطره حوالي 25 سم. وتكون المحـاور المغناطيسـية للإبـر موازيـة لتـدرج قرص البوصلة الشمالي والجنوبي. وفي منتصف قـرص البوصلة يوجد غطاء يرتكز على محور مدبب حاد. وتوجد نقطة التدعيم فوق مركز الجاذبيـة في النظام بحيث يأخذ قرص البوصلة دائما مستوى أفقيا. ويرسم فوق الوعاء الذي يحتوي على قرص البوصلة خط اتجاه يقرأ عليه اتجاه السفينة.

وتتـأثر البوصلـة المغناطيسـية المثبتـة فـي سفينة مصنوعة من الفولاذ بمغناطيسية السفينة. ومـن ثـم يتـم اسـتخدام مصححـات مغناطيسية لمعادلة هذه المغناطيسية في موقع البوصلة بحيث يتأثر نظام البوصلة بمغناطيسية الأرض فقط. 

تاريخ البوصلة 
لقـد عرف الإنسان منذ عصور الحجر، حجر المغناطيس وعرف أن هذا الحجر يجذب قطعة الحـديد الصغـيرة إليـه إذا قربت منه، كما أن ظاهرة المغناطيسية الأرضية كانت معروفة منـذ زمـن بعيـد، وأن النـاس لم يكن يخفى عليهم أن الإبرة المغناطيسية إذا علقت تعليقا حـرا فإنهـا تتجـه دائما ناحية الشمال. وكان هناك اعتقاد ظل إلى عهد قريب أن في جوف الأرض مغنـاطيس عـملاق يرقـد فـي اتجاه الشمال والجنوب، كما كان هناك من اعتقد أن الأرض مغناطيس كبير. 

ولقـد استخدم حجر المغناطيس، في بادئ الأمر في أعمال التنبؤ واستطلاع الغيب فيما عرف "بعلـم الضـرب بالرمل" أو الضرب بالودع حيث توضع علامات معينة في حلقة حول قطعة مـن حجـر المغنـاطيس معلقـة تعليقـا حرا ثم تحريك المغناطيس لمعرفة الاتجاه الذي تقف عنده بالنسبة إلى العلامات حوله.

 ومـن المرجـح أن أهـل الصيـن هم أول من عرف خواص الحجر المغناطيسي الذي يشير فيه طـرف واحـد مـن إبـرة أو قضيـب ممغنـط يعلق تعليقا حرا من الوسط إلى اتجاه الشمال، ويرجـع ذلـك لقـرون متقدمة ربما إلى عهد أسرة هان الشرقية حوالي عام 30-100 بعد الميلاد، ولكنهم لم يستخدموا هذه الخاصية في الملاحة البحرية، وإن كان من المؤكد أيضا أن أهل الصين قد استفادوا بها في السفر بالبر لمعرفة اتجاههم. وعرفت في الصين أشكال متعـددة مـن قطـع المغنـاطيس، بعضهـا على هيئة ملعقة، وتدور حول صفيحة مصقولة من الـبرونز. وذكـرت بـوصلات صينيـة ذات إبـرة معلقة، أو عائمة أو ترتكز على محور من القـرن التاسـع حـتى القـرن الثـاني عشـر المـيلادي. ولكـن الصينييـن لـم يستخدموا الإبرة المغناطيسية في البحر قبل القرن الحادي عشر الميلادي. 

ولقـد عـرف الملاحـون المسلمون منذ القرن الثاني الهجري / السابع والثامن الميلادي، خواص الإبـرة المغناطيسية أثناء تجارتهم مع الصينيين، ثم طبقوا الفكرة لمعرفة الاتجاه أثناء سير السـفينة بـالبحر. وقـد صنـع العـرب بـوصلات تشبه البوصلات الحالية وبينوا على دائرتها الجهات الأصلية وقسموها إلى درجات.

 وقـد ورد فـي كتاب كنز التجار في معرفة الأحجار لمؤلفه بيلق القبجاقي عام 681هـ / 1282م. أن ربـابين بحـر سـوريا كـانوا يتعرفـون عـلى الجهـات الأصليـة في الليالي الحالكـة عندمـا لا يـرون النجـوم بإبرة معلقة في حلقة من خشب السنط تطفو فوق الماء فتشـير إلى الشمال. وذلك في رحلة بحرية قام بها من طرابلس الشام إلى الإسكندرية في عام 640هـ / 1242م. 

بوصلة عثمانية 
وفـي القـرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي، كان استخدام الإبرة المغناطيسية في الملاحـة الإسـلامية واسـع الانتشـار. وقـد ذكـر المقريـزي في كتابه الخطط المقريزية أن الملاحـين فـي بحـر الهنـد كانوا يستدلون على الجهات الأصلية عندما لا يرون النجوم ليلا. وقـد وصـف المقريـزي الإبرة المستخدمة آنذاك بأنها قطعة رقيقة من المعدن مطروقة على شـكل سـمكة تطفو فوق الماء، فعندما تستقر السمكة يشير فمها إلى الجنوب. 
ثم أدخل ابـن مـاجد تعـديلا جوهريـا عـلى بيت الإبرة وأشار إليه في كتابه الفوائد بعبارة "تجليس المغنـاطيس عـلى الحقـة". وهو تثبيت الإبرة الممغنطة فوق سن من الوسط لتتحرك حركة حرة فوق قرص وردة الرياح .

 ثـم انتقلـت البوصلـة العربيـة إلـى أوروبـا بعد أن وفدت سفنهم إلى المشرق إبان الحروب الصليبيـة فعرفـوا فكـرة البوصلـة مـن المسـلمين لأول مرة وشاع استعمالها بعد ذلك في أوروبا. وكانت تعد أعظم اكتشاف ملاحي بالنسبة لهم لأن سماءهم تملأها الغيوم والسحب فـي أغلب أوقات السنة وبخاصة في الأصقاع الشمالية ولا يسهل دائما التعرف على الجهات الأصلية ليلا بالنجوم في تلك الأصقاع. 

وفـي القـرن الـرابع عشـر المـيلادي اسـتعار صانع أسلحة إيطالي يدعى فلافيو جوبا فكرة تعليـق إبـرة مغناطيسـية عـلى محـور مـدبب فـي صناعة البوصلة والتي وضعها في علبة خشبية لها غطاء زجاجي. 

البوصلة الحديثة 
وحديثـا حلت البوصلة الجيروسكوبية الآن محل البوصلة المغناطيسية في السفن والطائرات. والبوصلـة الجيروسـكوبية آلـة ميكانيكيـة تسـتخدم عجلة دائرية ويمكنها تحسس دوران الأرض. فعندمـا أصبـح مـن الممكـن تدويـر عجلـة كهربائيـا، انصـرف الانتباه إلى إمكانية اسـتخدام عجلة دائرية في الأغراض المتعلقة بالاتجاهات، حيث أن محور هذه العجلة يحتفظ باتجـاه ثـابت فـي الفضـاء. وتعـرف العجلة الدائرية الحرة التي يمكنها التحرك حول ثلاث محـاور بالجيروسكوب الحر. وقد قام ويليام طومسون بمحاولة تصميم بوصلة جيروسكوبية عام 1300 هـ / 1883 م.

 لكن يرجع الفضل في اختراع أول بوصلة جيروسكوبية عملية إلى هيرمان أنشوتز كامبفيه حـيث ظهـرت أول بوصلة ناجحة من اختراعه عام 1325 هـ / 1907 م. وقد أنتجت أول بوصلـة جيروسـكوبية أمريكية عام 1329 هـ / 1911 م. وقد صممها إيلمر إي سـبيري، بينمـا صمـم إس جـي بـراون وجي بيري أول بوصلة إنجليزية عام 1335هـ / 1917 م.

0 Comments

Get in touch!

Name



Email *



Message *